فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وما هي المعذرة إلى الله؟. يقال: عذرك فلان إذا كنت قد فعلت فعلًا كان في ظاهره أنه ذنب ثم بينت العذر في فعله، كأن تقول: لقد جعلتني انتظرك طويلًا وتأخرت في ميعادك معي. انت تقول ذلك لصديق لك لأنه أتى بعمل مخالف وهو التأخر في ميعادٍ ضربه لك. فيرد عليك: تعطلت مني السيارة ولم أجد وسيلة مواصلات، وهذا عذر. إذن فمعنى العذر هو إبداء سبب لأمر خالف مراد الغير. ولذلك يقال: أعذر من أنذر، والحق يقول: {وَجَاءَ المعذرون مِنَ الأعراب...} [التوبة: 90].
ونعلم أيضًا أن هناك مُعْذِرًا. والمُعَذِّر هو من يأتي بعذر كاذب، والمُعْذِر هو من يأتي بعذر صادق. وقال الواعظون: نحن نعظهم، وأنتم حكمتم بأن العظة لا تنفع معهم لأنهم اختاروا أن يهلكهم الله ويعذبهم ولكنا لم نيأس، وعلى فرض أننا يئسنا من فعلهم، فعلى الأقل قد قدمنا لربنا المعذرة في أننا عملنا على قدر طاقتنا.
وكلمة وَعْظ تقتضي أن نقول فيها: إن هناك فارقًا بين بلاغ الحكم، والوعظ بالحكم؛ فالوعظ أن تكرر لموعوظ ما يعلمه لكنه لا يفعله. كأن تقول لإِنسان: قم إلى الصلاة، هو يعلم أن الصلاة مطلوبة لكنه لا يقوم بأدائها.
إذن فالوعظ معناه تذكير الغافل عن حكم، ومن كلمة الوعظ نشأت الوعَّاظ. وهم من يقولون للناس الأحكام التي يعرفونها، ليعملوا بها، فالوعاظ إذن لا يأتون بحكم جديد.
وبعض العلماء قال: إن قول الحق: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ} ليس مرادًا به الفئة التي لم تفعل الذنب ولم تعظ، إنما يراد به الفئة الموعوظة، كأن الموعوظين قالوا: إن ربنا سيعذبنا فلماذا توعظوننا؟. ونقول: لا؛ لأن عجز الآية ينافي هذا. فالحق يقول: {مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
ومجيء {لعلهم} يؤكد أن هذا خبر عن الغير لا أنَّه من الموعوظين. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{مَعْذِرَةً} قرأ العامَّةُ: {مَعْذِرَةٌ} رفعًا على أنه خبر ابتداء مضمر، أي: موعظتنا معذرة.
وقرأ حفصٌ عن عاصم، وزيد بن علي، وعيسى بنُ عمر، وطلحةُ بنُ مصرف: {مَعْذِرَةٌ} نصبًا وفيها ثلاثةُ أوجه:
أظهرها: أنَّهَا منصوبةٌ على المفعول من أجله، أي: وعَظْنَاهُم لأجل المعذرة.
وقال سيبويه: ولو قال رجلٌ لرجلٍ: معذرةً إلى الله وإليك من كذا، لنصب.
الثَّاني: أنَّها منصوبةٌ على المصدر بفعل مقدر من لفظها، تقديره: نَعْتَذِرُ مَعْذرةً.
الثالث: ان ينصب انتصابَ المفعول به؛ لأن المعذرةَ تتضمَّنُ كلامًا، والمفردُ الثالث: والمفردُ المتضمِّنُ لكلام إذا وقع بعد القولِ نُصِبَ نصب المفعول به، كقلت خطبة.
وسيبويه يختارُ الرَّفْعَ.
قال: لأنَّهم لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارًا مستأنفًا.
ولكنهم قيل لهم: لِمَ تَعِظُونَ؟
{فَقَالُوا} موعظتنا معذرةً.
والمَعْذِرَةُ: اسمُ مصدر وهو العذر.
وقال الأزهري: إنَّها بمعنى الاعتذارِ، والعذرُ: التَّنصلُ من الذَّنبِ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)}.
الحقائق- وإن كانت لازمة- فليست للعبد عند لوازم الشرع عاذِرةً بل الوجوبُ يُفْترَضُ شرعًا، وإن كان التقدير غالبًا بكل وجه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (165):

قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما تراجعوا بهذا الكلام ليكون زاجرًا للعاصين فلم يرجعوا، أخبر أنه صدق ظنهم بإيقاع الأمرين معًا: العذاب الشديد والإهلاك فقال: {فلما نسوا ما ذكروا به} أي فعلوا في إعراضهم عنه فعل الناسي وتركوه ترك المنسيّ، وهو أن الله لا يهملهم كما أن الإنسان لا يمكن أن يهمل أحدًا تحت يده، ليفعل ما يشاء من غير اعتراض {أنجينا} أي بعظمتنا {الذين ينهون} أي استمروا على النهي {عن السوء} أي الحرام {وأخذنا} أي أخذ غلبة وقهر {الذين ظلموا} أي بالعدو في السبت {بعذاب بئيس} أي شديد جدًّا {بما كانوا} أي جبلة وطبعًا {يفسقون} أي بسبب استمرارهم على تجديد الفسق. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ} يعني أنهم لما تركوا ما ذكرهم به الصالحون ترك الناسي لما ينساه، أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الظالمين المقدمين على فعل المعصية. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

واعلم أن لفظ الآية يدل على أن الفرقة المتعدية هلكت، والفرقة الناهية عن المنكر نجت.
أما الذين قالوا: {لِمَ تَعِظُونَ} فقد اختلف المفسرون في أنهم من أي الفريقين كانوا؟ فنقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه توقف فيه.
ونقل عنه أيضًا: هلكت الفرقتان ونجت الناهية، وكان ابن عباس إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: إن هؤلاء الذين سكتوا عن النهي عن المنكر هلكوا، ونحن نرى أشياء ننكرها، ثم نسكت ولا نقول شيئًا.
قال الحسن: الفرقة الساكتة ناجية، فعلى هذا نجت فرقتان وهلكت الثالثة.
واحتجوا عليه بأنهم لما قالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ} دل ذلك على أنهم كانوا منكرين عليهم أشد الإنكار، وأنهم إنما تركوا وعظهم لأنه غلب على ظنهم أنهم لا يلتفتون إلى ذلك الوعظ ولا ينتفعون به.
فإن قيل: إن ترك الوعظ معصية، والنهي عنه أيضًا معصية، فوجب دخول هؤلاء التاركين للوعظ الناهين عنه تحت قوله: {وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ}.
قلنا: هذا غير لازم، لأن النهي عن المنكر إنما يجب على الكفاية.
فإذا قام به البعض سقط عن الباقين، ثم ذكر أنه تعالى أخذهم بعذاب بئيس، والظاهر أن هذا العذاب غير المسخ المتأخر ذكره.
وقوله: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} أي شديد وفي هذه اللفظة قراآت: أحدها: {بَئِيسٍ} بوزن فعيل.
قال أبو علي: وفيه وجهان: الأول: أن يكون فعيلًا من بؤس يبؤس بأسًا إذا اشتد.
والآخر: ما قاله أبو زيد، وهو أنه من البؤس وهو الفقر يقال بئس الرجل يبأس بؤسًا وبأسًا وبئيسًا إذا افتقر فهو بائس، أي فقير.
فقوله: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} أي ذي بؤس.
والقراءة الثانية {بِئْسَ} بوزن حذر.
والثالثة: {بيس} على قلب الهمزة ياء، كالذيب في ذئب، والرابعة: {بيئس} على فيعل.
والخامسة: {بيس} كوزن ريس على قلب همزة بئيس ياء وإدغام الياء فيها.
والسادسة: {بيس} على تخفيف بيس كهين في هين، وهذه القراآت نقلها صاحب الكشاف.
ثم بين تعالى أنهم مع نزول هذا العذاب بهم تمردوا. اهـ.

.قال السمرقندي:

{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ} يعني تركوا ما وعظوا به {أَنجَيْنَا} من العذاب {الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ} يعني: عذبنا الذين تركوا أمر الله: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} يعني: شديد {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} يعني: يعصون ويتركون أمر الله تعالى.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان القوم ثلاثة فرق.
فرقة كانوا يصطادون.
وفرقة كانوا ينهون.
وفرقة لم ينهوا ولم يستحلوا وقالوا للواعظة: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ}.
وروى أبو بكر الهذلي عن عكرمة قال: أتيت ابن عباس وهو يقرأ في المصحف ويبكي فدنوت منه حتى أخذت بلوحي المصحف وقلت: ما يبكيك قال: تبكيني هذه السورة وهو يقرأ سورة الأعراف.
وقال: هل تعرف أيلة؟ قلت: نعم.
قال: إن الله تعالى أسكنها حيًا من اليهود، وابتلاهم بحيتان حرمها عليهم يوم السبت وأحلها لهم في سائر الأيام.
فإذا كان يوم السبت خرجت إليهم الحيتان.
فإذا ذهب السبت غابت في البحر حتى يغوص لها الطالبون، وإن القوم اجتمعوا واختلفوا فيها.
فقال فريق منهم: إنما حرمت عليكم يوم السبت أن تأكلوها فصيدوها يوم السبت، وكلوها في سائر الأيام.
وقال الآخرون: بل حرم عليكم أن تصيدوها أو تنفروها أو تؤذوها.
وكانوا ثلاث فرق: فرقة على أَيمانهم، وفرقة على شمائلهم، وفرقة على وسطهم فقالت الفرقة اليمنى فجعلت تنهاهم في يوم السبت، وجعلت تقول: الله يحذركم بأس الله.
وأما الفرقة اليسرى فأمسكت أيديها، وكفت ألسنتها.
وأما الوسطى فوثبت على السمك تأخذه.
وجعلت الفرقة الأخرى التي كفت أيديها، وألسنتها، ولم تتكلم.
تقول: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} فقال: {الذين يَنْهَوْنَ} {مَعْذِرَةً إلى رَبّكُم وَلَعَلَّكُم تَتَّقُونَ} فدخل الذين أصابوا السمك إلى المدينة، وأبى الآخرون أن يدخلوا معهم فغدا هؤلاء الذين أبوا أن يدخلوا المدينة.
فجعلوا ينادون من فيها فلم يجبهم أحد.
فقالوا: لعل الله خسف بهم، أو رموا من السماء بحجارة، فارفعوا رجلًا ينظر، فجعلوا رجلًا على سلم فأشرف عليهم، فإذا هم قردة تتعادى ولها أذناب قد غيّر الله تعالى صورهم بصنيعهم.
فصاح إلى القوم فإذا هم قد صاروا قردة، فكسروا الباب، ودخلوا منازلهم، فجعلوا لا يعرفون أنسابهم، ويقولون لهم: ألم ننهكم عن معصية الله تعالى ونوصيكم؟ فيشيرون برؤوسهم بلى ودموعهم تسيل على خدودهم.
فأخبر الله تعالى أنه أنجى الذين ينهون عن السوء، وأخذ الذين ظلموا.
قوله: {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ}.
ولا يدرى ما صنع بالذين لم ينهوا ولم يأخذوا.
وقال عكرمة: بل أهلكهم الله لأنه أنجى الذين ينهون عن السوء.
وأهلك الفريقين الآخرين.
فوهب له ابن عباس بردة بهذا الكلام.
وروي في رواية أُخرى أنهم كانوا يأخذون الحظائر والحياض بجنب البحر، ويسيلون الماء فيها يوم السبت من البحر حتى يدخل فيها السمك، ويأخذونه في يوم الأحد فقالوا: إنا نأخذه في يوم الأحد.
فلما لم يعذبوا استحلوا الأخذ في يوم السبت من البحر وقالوا: إنما حرم الله على أبنائنا ولم يحرم علينا فنهاهم الصلحاء فلم يمتنعوا، فضربوا حائطًا بينهم، وصارت الواعظة في ناحية، والذين استحلوا في ناحية والحائط بين الفريقين.
فأصبحوا في يوم من الأيام ولم يفتح الباب الذي بينهما، فارتقى واحد منهم الحائط، فإذا القوم قد مسخوا إلى قردة.
وقال بعضهم: كان القوم أربعة أصناف صنف يأخذون، وصنف يرضون، وصنف ينهون، وصنف يسكتون، فنجا صنفان، وهلك صنفان.
قال بعضهم: كانوا صنفين صنف يأخذون، وصنف ينهون.
وروى قتادة عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: كانوا ثلاث فرق فهلك الثاني، ونجا الثالث، والله أعلم ما فعل بالفرقة الثالثة.
قرأ نافع بعذاب {بِيْس} بكسر الباء وسكون الياء بلا همز.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بعذاب {بَيْأَس} بفتح الباء وسكون الياء وفتح الهمزة.
وقرأ الباقون: {ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} بنصب الباء وكسر الياء والهمزة وسكون الياء وهي اللغة المعروفة، والأولى لغة لبعض العرب. اهـ.